في السنوات الأخيرة، شهدت الساحة العراقية انتشارًا واسعًا للمحتوى الهابط عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يتميز بالإساءة إلى الذوق العام والترويج للانحلال الأخلاقي، وهو ما دفع الجهات القضائية والأمنية إلى اتخاذ إجراءات رادعة في مواجهة هذه الظاهرة. إن تكييف هذا الفعل قانونيًا يُدرج ضمن "الجرائم المخلة بالآداب والأخلاق العامة"، استنادًا إلى أحكام قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969، ولا سيما المواد (401_404)، التي تجرم كل فعل أو قول فاضح علني يمس الحياء أو يخدش الحشمة العامة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا ما هو المعيار الذي يمكن من خلاله تحديد ما يُعد محتوى هابطًا؟
يمكن القول إن هذا المعيار يتحدد وفق مزيج من القيم المجتمعية العراقية، والأعراف الثقافية، والضوابط القانونية، بما يراعي الفارق بين حرية التعبير وبين الإخلال بالآداب. لذلك، فإن تحديد "الهبوط الأخلاقي" يتطلب رؤية موضوعية من الجهات القضائية تراعي السياق والمضمون وتأثيره العام على المجتمع، بعيدًا عن الاجتهادات الشخصية أو الأذواق الفردية.
وقد لعب القضاء العراقي دورًا بارزًا في مواجهة هذه الظاهرة من خلال إصدار مذكرات قبض وتحقيقات مع بعض المروجين للمحتوى الهابط، مستندًا إلى توجيهات مجلس القضاء الأعلى. كما أن المجتمع ومؤسسات المجتمع المدني تقع عليهم مسؤولية نشر التوعية وتحفيز القيم الثقافية والفكرية، بما يسهم في تحصين الأفراد من الانجراف خلف محتوى لا يخدم المصلحة العامة، بل يسيء إلى صورة المجتمع العراقي.
أما على صعيد الدور الحكومي، فتتحمل هيئة الإعلام والاتصالات، بالتعاون مع وزارة الاتصالات، مسؤولية فرض رقابة تقنية وتشريعية على المنصات الإلكترونية، والعمل على حجب المحتوى المسيء، بما لا يتعارض مع حقوق الإنسان وحرية التعبير التي كفلها الدستور العراقي في المادة (38)، والتي يجب أن تُمارس ضمن الضوابط القانونية والأخلاقية.
وفي الإطار الأوسع، فإن معالجة هذه الظاهرة ترتبط كذلك بأهداف التنمية المستدامة، لا سيما الهدف الرابع المتعلق بالتعليم الجيد، والهدف السادس عشر المتعلق بالمجتمعات السلمية والشاملة، حيث يُعد رفع مستوى الوعي الثقافي والإعلامي أحد ركائز بناء مجتمع واعٍ قادر على استخدام التكنولوجيا لأغراض إيجابية تخدم التنمية لا تعرقلها.
إن مواجهة المحتوى الهابط ليست معركة قانونية فقط، بل هي مشروع وطني تشترك فيه الدولة والمجتمع، لبناء بيئة رقمية أخلاقية تحفظ القيم وتدعم الحريات ضمن إطار منظم وعادل.
م. د. علي جاسم محمد السعدي
جامعة المستقبل الجامعة الاولى في العراق